-A +A
ياسر سلامة
لازلت أتذكر ذلك (الدعوجي) الذي كان يمتهن تحصيل الديون ومتابعة الدعاوى المالية، والذي لم يكن يجيد صياغة العرائض ولم يكن يتمتع بالفهلوة أو اللباقة، وأموره بالمحكمة كانت كلها ماشية بالبركة ودعاء الوالدين ولكنه للأمانة يمتلك سعة بال وقدرة عجيبة في تنفيذ الأحكام (متفوقا في ذلك على أكبر أفوكاتو ) كان بارعا في التربص بالمحكوم عليه (خاصة أيام الويكند) يتلطم بشماغه ويتخفى بين السيارات ويحمل في جيبه أمر القبض حتى ينجح في اصطياد المطلوب بمعاونة أفراد البحث الجنائي، ومع هذا كله، كانت لديه هو الاخر أحكام كثيرة معلقة، والسبب غياب نظام التنفيذ وحرمة البيوت ودوامة المعارف الشخصية !!.
كثيرا ما كان يستحوذ مستأجر (من جنسية عربية) على شقة وربما فيلا كاملة، وعندما يطلب منه المؤجر (ابن البلد) أن يدفع الإيجار المتأخر أو يتفضل بإخلاء العين المؤجرة (طالما انه لا يريد أن يدفع) يبدأ المستأجر العلة في التسويف والمماطلة ، وبعد مشوار طويل ومرهق يتكبده المؤجر أمام المحاكم المختصة حتى صدور حكم نهائي واجب النفاذ ، يأتي الفصل أو المشهد الاكثر تراجيدية ، حين يشعر المؤجر أن (تعبه كله راح بلاش) فالمحكوم عليه علاقاته متنوعة وتلفونه المحمول لا يهدأ وإن جرب المؤجر ودق جرس الباب طلعت له السنيورة وقالت (والله زوجي هالا مو هون) بينما هو بالصالون يشرب (النارجيلة) ويقلب القنوات الفضائية!!.

كثيرا ما كان يتعثر تنفيذ الاحكام ، لوجود معرفة شخصية بين الموظف المحالة إليه المعاملة والمحكوم عليه (فلان ما غيره) عندها يتفنن الموظف في خلق الاعذار (هذا إذا صادف وكان يومها مداوم) فمرة يقول إن المحكوم عليه بسلامته مسافر خارج المملكة، ومرة يلطع المراجع لبعد الظهر بساعة (الين يكرهه في عيشته) ومرة يرتب لحضور مفوض عن المحكوم عليه ثم يرده مشترطا إحضار وكالة شرعية (وهذا وجه الضيف) ومرة يدعي بأنه مكلف بالعمل بموقع آخر (طبعا ضريبة كفاءته وجديته في العمل) وبعد كم سنة يتأسف بحرج لأن ملف المعاملة ضاع (ما هو داري وين راح) وانه يجب تقديم معاملة جديدة وشرحها من المدير!؟.
مؤخرا ومع التعديلات الحاصلة في الانظمة القضائية ، خاصة نظام التنفيذ ، بدأنا نسمع أخبارا لم تكن دارجة فهذا خبر يوضح بأن 297 قاضي تنفيذ بالمملكة يطبقون تنفيذ الأحكام على الأفراد والشركات ورجال الأعمال بقوة النظام ، وخبر آخر يتحدث عن أن قضاء التنفيذ يأمر بفتح شقة وإخلائها بالقوة الجبرية وتسليمها لصاحبها!! وخبر يقول : دوائر التنفيذ بمنطقة الرياض وخلال أسبوعين تعيد 1.2 مليار ريال لأصحابها بالقوة الجبرية!!، من هذا كله، نتأكد بأن سن نظام واضح ومحدد وفرضه بالقوة الجبرية هو ما نحتاجه في كل مناحي الحياة وكفاية علينا تراخي وتميـيع وطبطبة (ومشي حالك) فـهناك أناس بيننا ما تجي إلا بالعين الحمرا !!.